بقلم الشيخ:عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا
منـزلة شهداء فلسطين .. عند الله
بقلم الشيخ:عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقًا
كرم الله الإنسان وضمن له حقوقًا يعيش بها، آمنًا مطمئنًا على نفسه وماله وعرضه ودينه وشرفه وعقله ويتمتع بما خوله الله من نعم فى وطن حر عزيز لا يتحكم فيه غاشم ولا يزعزع أمنه عدو ظالم، وخول له حق الدفاع عن هذه الحقوق وصيانة هذه المقدسات على المستوى الفردى والجماعى، بل شجعه على ذلك وضمن له شرفًا ومنـزلة عالية إن قدم روحه فداء لها، فأعطاه لقب الشهادة التى هى جواز المرور من حياة فيها المعاناة إلى حياة بجوار الله فى مقعد صدق عند مليك مقتدر، وقد صح فى ذلك قول النبى ( كما رواه الترمذى وأبو داود "من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" وأعظم ما تكون الشهادة شرفًا إذا كانت لإعلاء كلمة الله والدفاع عن الوطن، وذلك هو الجهاد فى سبيل الله الذى تنـزلت فيه الآيات قال تعالى: (ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، {آل عمران: 169،170}، وسبيل الله هو الحق والعدل والأمن والاستقرار وجميع القيم التى جاء بها الدين لإسعاد الفرد والمجتمع فى حياته والاستشهاد فى سبيل هذه القيم شرف لا يعدله شرف، فقد جعله الله بيعًا بينه وبين عبده، وسجله فى أوثق السجلات وأخلدها فقال سبحانه : (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعدا عليه حقًا فى التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذى بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)،{التوبة: 111}.
يروى البخارى أن أم حارثة بن سراقة الذى استشهد فى بدر سألت الرسول ( عنه إن كان فى الجنة أو لا ، فقال لها "يا أم حارثة إنها جنان فى الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى" لقد رغب الرسول ( فى الاستشهاد فى سبيل الحق فقال فى الحديث المتفق عليه "تضمن الله لمن خرج فى سبيله لا يخرجه إلا جهاد فى سبيلى وإيمان بى وتصديق برسلى فهو ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى منـزله الذى خرج منه بما نال من أجر أو غنيمة والذى نفس محمد بيده ما من كلم يكلم فى سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته يوم كلم لونه لون دم، وريحه ريح مسك" إلى أن قال: "والذى نفسه محمد بيده لوددت أن أغزو فى سبيل الله فاُأقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل"، وجاء فى الحديث المتفق عليه أيضًا "ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شىء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشر مرات لما يرى من فضل الشهادة".
بهذه النصوص وأمثالها خاض المسلمون قديمًا معارك خلدت آثارها فى التاريخ، وبفضل الشهداء صدت هجمات الفرس والرومان وغارات التتار والصليبيين ويخوضون حديثًا معارك لتطهيره أرض الإسلام من الغاصبين المعتدين، والحياة كلها معارك، وميعادين الجهاد واسعة متعددة، لا ينتصر فيها إلا الإيمان القوى القائم على الثقة بالله وتنفيذ أمره فى كل مجال، والذين يسقطون صرعى فى هذه الميادين لم يموتوا، فآثارهم حية تخلدهم، وجوار الله ينعمون فيه بحياة أرقى وأبقى من هذه الحياة، حيا الله الشهداء الأبرار وأمدنا بنصره وتأييده وألحقنا بهم فى جواره